المبحث الثاني:آليات إدماج الاعتبارات البيئية في الصفقات العمومية
إذا كان المشرع قد اكتفى بإشارة بسيطة إلى البيئة في قانون الصفقات العمومية الحالي إلا أن التنظيم يتيح الكثير من الإمكانات لإدماج الاعتبارات البيئية سواء في مرحلة إبرام الصفقة (المطلب الأول) أو في مرحلة اختيار المتعامل المتعاقد( المطلب الثاني).



المطلب الأول: في مرحلة إعداد الصفقة
يمكن إدماج الاعتبارات البيئية في مرحلة إعداد الصفقة في المراحل الآتية

:
أولا:عند تحديد الحاجات
يعتبر تحديد الحاجات أول مرحلة تقوم بها المصلحة المتعاقدة عند الإعداد للصفقة العمومية وهو ما نصت عليه المادة 11 من المرسوم الرئاسي رقم 10/236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية المعدل و المتمم:"تحدد حاجات المصالح المتعاقدة الواجب تلبيتها ، المعبر عنها بحصة وحيدة أو بحصص منفصلة ، مسبقا قبل الشروع في أي إجراء لإبرام صفقة .
ويجب إعداد الحاجات من حيث طبيعتها وكميتها بدقة ، استنادا إلى مواصفات تقنية"
فيجب على مصلحة متعاقدة قبل أن تشرع في عملية إبرام الصفقات أن تقوم بتحديد حاجاتها وابتداء من هذه المرحلة يمكن لها أن تؤثر على حماية البيئة إذ يمكنها إدماج الشروط البيئية في حاجاتها فيما ما تعلق بالشروط التقنية مثل :تضمين صفقة أشغال بناء مجمع سكني وضع الألواح الشمسية .


ثانيا:عند إعداد دفاتر الشروط
تمثل دفاتر الشروط الجانب الشكلي المهم في الصفقات العمومية و هي تمثل واحدة من النقائص التي تميز قانون الصفقات العمومية الجزائري ويعتبرها الأستاذ شريف بن ناجي "نقطة ضعف قانون الصفقات العمومية في الجزائر" .
وتنقسم دفاتر الشروط إلى ثلاثة أنواع حسب ما نصت عليه المادة 10 من المرسوم الرئاسي رقم 10/236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية المعدل والمتمم.
- 1 دفاتر البنود الإدارية العامة المطبقة على صفقات الأشغال واللوازم والدراسات والخدمات الموافق عليها بموجب مرسوم تنفيذي ،
- 2 دفاتر التعليمات المشتركة، التي تحدد الترتيبات التقنية المطبقة على كل الصفقات المتعلقة بنوع واحد من الأشغال واللوازم والدراسات أو الخدمات، الموافق عليها بقرار من الوزير المعني،
3-دفاتر التعليمات الخاصة التي تحدد الشروط الخاصة بكل صفقة.
فعند إعداد دفاتر البنود الإدارية العامة يجب أن تحرص الحكومة على إدماج مبادئ حماية البيئة في هذه الدفاتر باعتبارها مبادئ عامة للطلب العمومي.
فعند إعداد دفتر التعليمات الخاصة بالصفقة تحرص المصلحة المتعاقدة على تضمينها مجموعة من الأحكام التي تكرس إدماج الاعتبارات البيئية خاصة فيما يتعلق بشروط تنفيذ الصفقة العمومية.


ثالثا:شروط تنفيذ الصفقة
تعرف شروط التنفيذ على أنها مجموعة الشروط والآليات التي تضعها المصلحة المتعاقدة والتي يلتزم المترشحون بتضمينها في عروضهم و التي ستنجز الصفقة طبقا لها ، فشروط التنفيذ هي ضبط دقيق لموضوع الصفقة الذي نصت المادة 62/1 من المرسوم الرئاسي رقم 10/236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية المعدل والمتمم على أن يكون محددا وموصوفا و صفا دقيقا.


المطلب الثاني: معايير اختيار المتعامل المتعاقد
مبدئيا و مهما كانت طرق إبرام الصفقات العمومية فان المصلحة المتعاقدة يجب أن تحدد معايير اختيار المتعامل المتعاقد ولقد نصت المادة 56 من المرسوم الرئاسي رقم 10/236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية المعدل والمتمم على معايير اختيار المتعامل المتعاقد التي يجب أن تذكر إجباريا في دفتر الشروط الخاص بالمناقصة مع إمكانية إضافة معايير أخرى شريطة النص عليها في دفتر الشروط .

أولا:إضافة حماية البيئة إلى معايير اختيار المتعامل المتعاقد
يمكن في هذا الإطار حذو التشريعات المقارنة من خلال النص الصريح على حماية البيئة ضمن معايير اختيار المتعامل المتعاقد و تكييف المعايير الحالية مع حماية البيئة وهذا من خلال:

-جعل الخصوصيات التقنية لمحل الصفقة تتضمن فكرة حماية البيئة،
-منشأ المنتوج، يجب على المصلحة المتعاقدة اشتراط منتوج ذو أصل يتماشى وهدف حماية البيئة، وكذلك ما تعلق بمسار الإنتاج الذي يمكن للمصلحة المتعاقد أن تشترط أن يكون المنتج قد صنع وفقا لمسار خصوصي يراعي حماية البيئة.
ثانيا: إدخال الاعتبارات البيئية للتأكد من إمكانيات المتعامل المتعاقد
تنص المادة 35 من المرسوم الرئاسي رقم 10/236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية المعدل والمتمم على أنه لا يمكن أن تخصص المصلحة المتعاقدة الصفقة إلا لمؤسسة يعتقد أنها قادرة على تنفيذها ، كيفما كانت كيفية الإبرام المقررة، و تضيف المادة 36 على ضرورة أن تتأكد المصلحة المتعاقدة من قدرات المتعامل المتعاقد التقنية والمالية والتجارية .
و هذا يعني أنه يمكن للمصلحة المتعاقدة أن تشترط امكانيات مهنية متعلقة بحماية البيئة، وأن تضمنها في شروط التأهيل و التصنيف المهنية المنصوص عليه في المرسوم التنفيذي رقم 93 -289 المؤرخ في28 نوفمبر سنة 1993 الذي يوجب على جميع المؤسسات التي تعمل في إطار إنجاز الصفقات العمومية في ميدان البناء والأشغال العمومية والري أن تكون لها شهادة التخصص والتصنيف المهني المعدل والمتمم .


ثالثا: الإقصاء من الصفقات العمومية
يقصد بالإقصاء عدم قبول مؤقت أو نهائي لمتعامل ما للترشح للصفقات العمومية ، ولقد وضعت قواعد الإقصاء المادة 52 من المرسوم الرئاسي رقم 10/236 المؤرخ في 7 أكتوبر 2010 المتضمن قانون الصفقات العمومية المعدل والمتمم.
و هنا يمكن إضافة إقصاء المترشحين الذين لا يستوفون الالتزامات البيئية.



الخاتمة:
إن حماية البيئة قضية مصيرية لاستمرار الحياة ، وفي وقت توسعت فيه الصفقات العمومية توسعا كبيرا فان الفرصة مواتية لإدماج الاعتبارات البيئية فيها، على الرغم من كون مراعاة الاعتبارات البيئية في تنظيم الصفقات العمومية هي اهتمامات حديثة ، تم إدخالها في القوانين الداخلية بتأثير المنظمات الدولية و الاتفاقيات الإطار للصفقات العمومية.
فمهما تعددت الأهداف من وراء إبرام الصفقات العمومية فان المصالح المتعاقدة تسعى إلى إضفاء الصبغة الاجتماعية و البيئة عليها، في النهاية تتوجه إلى تحقيق المصلحة العامة.
و كان إدماج الاعتبارات البيئية في الصفقات العمومية محل اخذ و رد،على مستوى النصوص، إلا أن طريقها إلى التطبيق يبقى طويلا و على الدولة والمصالح المتعاقدة أن تبذل قصارى جهده لتكريس الصفقات العمومية كآلية لحماية البيئة.